Tuesday 26 April 2011

أسرارنا.. حين تصبح مصدرا للإثارة مع عباس النوري






إلى أي عصر وصلنا.. العصر الذي أصبحنا نبوح فيه بما في الصميم بملء إرادتنا، وهو ذات العصر الذي أصبحنا فيه كتبا مفتوحة على الفيسبوك والمدونات، بحيث أنك إذا شعرت يوما بـ"وجع في بطنك" ستجد الجميع يدري بذلك، ببساطة لأنك أنت نفسك قمت بإخبارهم.

حين أفتح صفحتي الخاصة على الفيسبوك وأجد تعليقات مثل: "عندي حكة في قدمي" أو "لم أعد
أحب قطتي" أو ما يشبه ذلك أتساءل في داخلي: "وأنا شو دخل اللي خلّفني؟" ولماذا عليّ إطلاع المئات بمثل هذه الأسرار الخاصة، والتي لا أعتبرها أسرارا بقدر ما هي أمور شخصية لا تخص الآخرين، بل تخصني أنا وحدي.. وجدت أن السبب الرئيسي في ذلك يعود إلى نظرية: "أنا أتحدث على الفيسبوك.. إذا أنا موجود"..

قبل استكمال الحديث، يجب أن أعبر عن إعجابي الشديد بهذا الاختراع الذي أطلقوا عليه اسم الفيسبوك، وعن إعجابي بصاحب الفكرة مارك زوكربيرغ لما يملكه من فصاحة وذكاء جعلت سكان الفيسبوك من أكثر سكان العالم.. فالاعتراض ليس على شخص هذا الاختراع العجيب، بل على طريقة استخدامه فحسب من قبل البعض، والتي جعلت العام عاما والخاص عاما..

وهذه المقولة أيضا إنما تذكرني بما يعرض حاليا على شاشة ام بي سي 4، وهو برنامج "لحظة الحقيقة"، الذي أجد فكرته سخيفة ولا تحمل أي معنى، ولا هدف لها، سوى إلهاء الناس بإثارة سطحية وفارغة، خالية من المضمون، وإقناعهم بأن أسرار حياتهم من الطبيعي أن تصبح عامة في ظل ما نعيشه من فضائيات وفيسبوك وتويتر وغير ذلك..

إذا .. فعلاقة قديمة بين موظفة ومديرها أخفاها الزمن ستصبح شغلنا الشاغل، أو ندم الزوجة على زواجها من الرجل الذي يجلس في الاستوديو أصبح من أبرز اهتمامات المتفرجين، أو أن خيانة الابن لوالديه وتعاطيه الممنوعات صار المصدر الأهم لدر الأرباح على المتسابق، الذي لا أدري بأي "عين" يجلس أمام المقدم ويشارك في هذا البرنامج مفصحا عن أسرار حياته، غير آبه بمشاعر الأطراف الأخرى ذات العلاقة.

قد يقول البعض بأن هذا النوع من البرامج إنما بعيد عن عاداتنا وتقاليدنا وما إلى ذلك، غير أنني أخالف ما قيل، فهذا البرنامج لا يمت للإنسانية بصلة، لأن هناك جزءا صغيرا في حياتنا نرغب بالاحتفاظ به لأنفسنا، ولا يمكن أن نسمح له بالتسلل خارجا ليصبح وسيلة لترفيه الآخرين، أو مصدرا يدر علينا الدخل الوفير.

كما أننا وبكل صراحة .. أستغرب نجما كعباس النوري يوافق على تقديم نوع كهذا من البرامج، فهذا الرجل الذي أدرى دورا ولا أروع في عمل لن ينساه التاريخ وهو "ليس سرابا"، أدى فيه دور المثقف الواعي، لا يمكن أن يرضى بالمشاركة في جريمة لكشف الأسرار من أجل تسلية الآخرين.
كنت أستغرب قديما ممن يذهبون إلى السينما لحضور فيلم رعب، وأتساءل: "كيف يدفع الإنسان نقودا ليخاف؟" لأجد أن هذا الأمر عادي مقارنة مع ما يسمى بلحظة الحقيقة، فكيف يصبح السر الخفي ترفيها ووسيلة لجذب الدعايات والإعلانات؟

"لحظة الحقيقة": حتى الحقيقة.. أصبحنا نجيب على تساءؤلاها بنعم أو لا.. في أي زمن أصبحنا؟ ولأي زمن نتجه؟ "حقيقة" لا أدري لها جوابا، فالجواب ليس بتلك السهولة التي يتخيلها عباس النوري وبرنامجه..

Wednesday 13 April 2011

حسني مبارك.. "اجا تيكحلها...عماها"




هل ظن حسني مبارك أن هذا اليوم قادم؟ هل حسب في أحد الأيام أنه سيرافق نجليه علاء وجمال (أو جيمي) إلى السجن؟ والله لا أعتقد ذلك، لأن من يتسلق الجبل لا يمكنه رؤية المنحدر على الجانب الآخر منه.


قبل أيام، سمعنا جميعا تسجيلا لمبارك يدافع فيه عن نفسه، ويقول إنه لم يجمع ثروته إلا من مصادر مشروعة، ولم يسرق، ولم يستغل منصبه في سبيل الكسب غير المشروع.. و و و فماذا حصل؟ عجل النائب العام في طلبه للتحقيق، فطبق المثل القائل: "اجا تيكحلها ... عماها".


وبهذه الخطوة، يشعر شباب التحرير الآن بالراحة لأن ثورتهم فعلت فعلتها، وتم إنقاذها، فالكثيرون ظنوا أن كلمة مبارك المسجلة قد تلعب على العواطف، وتخلق واقعا جديدا لأصحاب القلوب الضعيفة، غير أن التحقيق مع رموز النظام السابق تباعا جعلت من ذلك الواقع يتبدد، ليحل محله ذلك الشعور الذي احتل قلوب المصريين أيام ثورة 25 يناير.


وفيما أنا أكتب هذه السطور، وأتابع ما تبثه قناة الجزيرة من أخبار حول ذات الموضوع، يعرض تقرير إخباري، يظهر فيه كل من أحمد عز بقميصه الأبيض "الكول"، وصفوت الشريف بنظارته السميكة وعبوسه الذي لم يتغير خلال المائة عام الأخيرة (وهو برأيي عمره الافتراضي)، وإلى جانبهما هناك جيمي يجلس وكأنه صاحب البيت أو بالأحرى "صاحب العزبة"، الذي وقتها كان يحضر نفسه لرئاسة مصر خلفا لوالده.


كان هؤلاء الثلاثة يحضرون مؤتمر الحزب الوطني، داخل قاعة حينما تراها تعتقد أنك تزور واحدة من بلدان العالم المتقدمة، بينما إذا خرجت إلى الشارع في ذلك الوقت، لأحسست بخيبة أمل كبيرة إزاء الفارق بين من يجلسون في الداخل ومن يموتون في اليوم ألف مرة تحت أشعة الشمس، وبين زحام الناس، ودخان السيارات.


كلمة "الفارق" أو "الفرق" أو "الاختلاف" أو ما يوازيها كنا نسمعها كثيرا في وسائل الإعلام إزاء ما يجري في مصر، فهناك "فارق" بين رجال الأعمال وعمال السكك الحديدية، وهناك فارق بين سكان القاهرة وسكان الصعيد، وفارق آخر بين المسلمين والأقباط، وفوارق كثيرة بين الذكور والإناث، فما الذي اختلف الآن؟


أصبحت هذه الكلمة نادرة الظهور، فالروح المسيطرة على المصريين وعلى مصر هي في التشابه لا في الاختلاف، في الوحدة لا في الفوارق، وهذا هو الوتر الذي ضرب عليه حسني مبارك، محاولا إعادة الصفوف لصالحه، فهو في تسجيله أكد أنه كباقي الشعب، يكسب الرزق الحلال، ولا يطمح لسلطة أبدية، وقس على هذا النمط.


أعتقد أن أعظم مشهد سينمائي أو تلفزيوني ليوم الأربعاء 13 أبريل سيكون مشهد اللقاء بين سجناء سجن طرة في القاهرة (من أحمد عز إلى صفوت الشريف إلى زكريا عزمي) والقادمين الجدد... ترى كيف سيكون؟؟


أترك لكم حرية تصور المشهد والحوار "الهابط" الذي سيدور في أرجاء الزنزانة، ولكن ما يهم في النهاية هو: "من سيلقى عليه اللوم في حكاية الثورة هذه؟"

Tuesday 12 April 2011

يمن "الإصرار" السعيد.. مع التحية

ترى ما الذي يدور في اليمن؟

فثورة الشعب هناك أذكر أنها رافقت قيام ثورة الشعب في مصر، حيث سقط النظام ، بينما لا يزال صامدا في اليمن السعيد. فما الذي يجري؟


حتى المحطات الفضائية ومواقع الرصد الاجتماعية لم تتمكن حتى الآن من شرح ما يحصل هناك، ونقل الصورة الحقيقية للواقع الأليم الذي يعيشه الشعب اليمني، نساء ورجالا، كبارا وصغارا.

فما الذي يجري حقيقة؟

علي عبد الله صالح لا زال متمسكا بكرسيه بيديه وأسنانه، بينما على الأرض لا تمانع قوات الأمن في إطلاق الرصاص على المتظاهرين، لقتلهم وجرحهم، غير أن هؤلاء الشباب فجروا مفاجأة كبيرة ... أنهم صامدون ولم يتنازلوا عن مطالبهم.

ماذا كنا نعرف عن اليمن في السابق؟

بالنسبة لي، كان هذا البلد هو اليمن السعيد، الذي قرأناه في قصة سيدنا سليمان، وتغنا الشعراء فيه بعدن، ورأينا كيف يحمل اليمنيون فيه خناجرهم معتزين بتراثهم، بينما تمتلئ أفواه عدد منهم بالقات الشهير.

ظننا أن اليمن سيكون من بين تلك البلدان التي لا تتغير أبدا، بل سيبقى فيها الرئيس رئيسا، والعامل عاملا، والصغير صغيرا...

فما الذي تغير؟

ما الذي جعلنا ننسى القات، والخنجر، وعدن، وسد مأرب، وووو، لننحني أمام ثورة اليمنيين، فهؤلاء، من سميناهم في أحد الأيام، عبيد القات، أو أصحاب القلوب الطيبة، علمونا نحن العرب معنى الغضب، ومعنى الإصرار، ومعنى الحرية، فهم لا زالوا يقاتلون بأنفسهم، لم يدخل الغريب ليقاتل عنهم، ويعيد لهم حقوقهم، ولا زالوا يقفون ندا في وجه الظالم والظلام.

عند بدء المظاهرات في اليمن، أذكر أن فريقا من سي ان ان كان على وشك التوجه إلى صنعاء لتغطية المظاهرات، وفي نفس ذلك الوقت، أعلن علي عبد الله صالح أن لا توريث ولا تمديد في الحكم، وقام بإصدار بعض التعديلات الدستورية، وهو ما دفعني إلى الاعتقاد أن اليمنيين قد يقتنعون بهذه القرارات فيتراجعوا عن مطالبهم، غير أن أحد زملائي أثناني عن هذا التفكير، وقال إن هذه التعديلات قد تدفعهم إلى المطالبة بما هو أكثر من ذلك، ألا وهو تنحي الرئيس.

لم أقتنع بهذا الكلام، غير أنني اليوم، وبعد مرور أكثر من شهرين على ذلك، تأكدت أن اليمن السعيد، لم يعد يمنا سعيدا فحسب، بل هو يمن الحرية والإصرار السعيد.

تحية لكم أيها اليمنيون، يا من علمتمونا معنى الحياة الكريمة، والحرية، والأمل، والإصرار.

Saturday 9 April 2011

عمرو قطامش وإنقاذ الذائقة العربية

قبل بضعة أسابيع، حين تم الإعلان عن إطلاق برنامج "المواهب العربية" "أرابز غوت تالنت"، اعتقدت أن هذا النوع من البرامج إنما هدفه شغل الشارع العربي عما يحدث في واقعنا، خصوصا مع الأحداث المتلاحقة التي تجري في كل من تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن وغيرها. وللصدفة البحتة، تزامنت الحلقة الأولى من البرنامج مع هروب الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي. كنت جالسة أتابع أحداث تلك الحلقة، علّي أكتشف مواهب جديدة تعيد الأمل للشارع العربي، الذي كان في تلك الفترة يعيش حالة من اليأس والبؤس بعد أن تلاحقت المآسي والأخبار المزعجة. دخل زوجي في تلك اللحظة وخاطبني بالقول: أتتابعين هذا ولا تدرين ما يحدث حولك؟؟ لقد سقط نظام بن علي!! كانت تلك مفاجأة كبرى، جعلتني أتأكد أن هذا النوع من البرامج هدفها فعلا إلهاؤنا عما هو أهم بالنسبة لنا: الجانب المشرق من واقعنا العربي في هذا العام.

جاءت بعدها ثورة مصر، واليمن، وليبيا، وسوريا، ولا زالت حلقات البرنامج تعرض تباعا كل جمعة، حتى عرضت الحلقة الأخيرة منه مساء الأمس، 8 أبريل/نيسان، التي تأهل إليها عدد من المشتركين أصحاب المواهب المتعددة، التي لا أخفيكم القول أن معظمها نادرة الحصول في عالمنا العربي، إلا أن ما أبهرني هو المشتركون الثلاثة الذين حصلوا على أعلى نسب التصويت، وهم صاحب موهبة السحر، والرسام المغربي، والشاعر "الحلمنتيشي" الذي استحق وبجدارة الفوز باللقب.

حينما سمعت حصول هؤلاء الثلاثة إلى أعلى نسب التصويت، انتابني شعور بالارتياح، سببه أنني أحسست بأن الشعب العربي لا زال بخير، وليس كما يوسف بشعب "دقي يا مزيكا" أو الشعب الذي يتبع مقولة "الجمهور عاوز كدة"، فنحن شعب لا زلنا نؤمن بالفن الأصيل، والوطنية، وحب الأرض، والإبداع، والتجدد.

جمهور البرنامج استجاب لكلام عمرو قطامش، وتفاعل معه، بل ورفعه إلى أعلى مستويات، وجعله علامة فارقة بين مشتركين آخرين، ولا أقصد القول هنا أن أيا ممن رقصوا أو غنوا كانوا "وحشين" أو قدموا عروضا باهتة، ولكن نوعية العرض هي التي أنقذت البرنامج من السقوط في فخ التقليد واتباع الواقع الغربي وغير ذلك.

ولكن سؤالي هنا هو: يا ترى من أنقذ الآخر.. هل أنقذت الثورة عمرو قطامش وجعلته يفوز؟ أم أن عمرو قطامش أنقذ الذائقة العربية في ظل كل ما نشهده من انحلال وهبوط؟ قد تختلف الآراء هنا، إلا أن الحقيقة التي استوعبناها والتي علمنا إياها الشباب العربي في عام 2011 هو أن مواهبهم تعدت الرقص والغناء والتطبيل والتزمير، فكما قال قطامش: "فبصرخة شاب سيس.... سقط نظام ورئيس".