Sunday, 3 November 2013

"طائرة ورقية" فيلم عن حلم طفولي بالحرية في غزة



كانت عيونهم تحمل فرحا وسعادة، تجعلك تعتقد أنهم يعيشون في رخاء ونعيم، وأن حياتهم هادئة وطبيعية، ولا يخطر في ذهنك أبدا أنهم يناضلون من أجل العلم والصحة والحياة.

العيون الفرحة، والابتسامات العريضة، والأجساد النحيلة كانت عناوين متفرقة لفيلم واحد هو "طائرة ورقية،" الذي يوثق حكاية أطفال قطاع غزة وسعيهم لدخول موسوعة غينيس للأرقام القياسية بالمشاركة في أكبر عرض للطائرات الورقية على شاطئ القطاع.

لم يستخدم هؤلاء الأطفال طائرات ابتاعوها من "السوبرماركت"، بل صنعوها بأيديهم. ولم يستخدموا مواد غالية الثمن لجعلها تطير، بل استخدموا ما اهتدت إليه أيديهم الصغيرة من حاجيات المنزل، فكانت بقايا قطع الخشب هي هيكل الطائرة، وأوراق الصحف هي جسم الطائرة، أما خليط الطحين بالماء فكان الغراء الذي ألصق الجسد بالهيكل.

الفيلم كان توثيقيا لجميع مراحل صنع الطائرات وتحليقها، وقدم لمشاهديه لحظات الفشل والنجاح، وخيبة الأمل والفخر، وحاول الابتعاد عن النمطية في وضع غزة وسكانها ضمن إطار الفقر والبؤس والمعاناة جراء القصف الإسرائيلي.

قدم فيلم "طائرة ورقية" شخصية الصبي الذي يحلم بالتحليق للخروج من حصار القطاع على متن طائرته الورقية، وشخصية الصبية التي تحلم بأن تصبح صحفية يوما ما. كلا الحالتين هي محاولة من المخرجين نيتين سوهني وروجر هيل لخلق حالة من الحلم الجميل لهؤلاء الأطفال، جعلهم يتخيلون كيف يبدو العالم وراء بحر غزة، وخلف الأسلاك الشائكة الإسرائيلية.

ما تميز به الفيلم كذلك هو استخدام الصور الغرافيكية للطائرة الورقية، التي بدت تنتقل بحرية في أرجاء غزة، وتعلو فوق الجميع وكأن روح هؤلاء الأطفال معلقة فيها تحملهم بعيدا إلى خيالهم خارج السور والاحتجاز.

بالطبع، لم تغب ذكرى الحرب الإسرائيلية على غزة عام 2009 عن ذاكرة هؤلاء الأطفال، فهم يتذكرونها يوميا عبر المنازل التي قصفت وهدمت ولا زالت أنقاضها قائمة حتى اليوم، وعبر طلقات الرصاص التي أصبحت شبه يومية، توقظهم في عتمة الليل.

في الفيلم، تمكن الأطفال من كسر الرقم القياسي والدخول في موسوعة غينيس للأرقام القياسية، أو على حد قولهم تمكنوا من تعريف العالم بغزة بعيدا عن الحرب والقتل. وقد تكون في ذلك إشارة إلى أن السجن قد يفتح في يوم من الأيام، وسيتمكن جميع أهل القطاع من التحليق تماما كطائراتهم الورقية.

ورغم طول مدة الفيلم، ودخول بعض مشاهده حالة من الروتين والأحادية في الإيقاع، يدخل المشاهد في حالة ترقب بعد طول انتظار. فعلى سبيل المثال، يعيش المشاهد مع الأطفال جميع لحظات صنع الطائرة، حتى يصل إلى المشهد الذي يحاولون فيه تركيب كاميرا صغيرة على متن الطائرة لتصور الأرض من الجو، فتتداخل الأسئلة، هل ستطير الطائرة؟ هل سينجحون؟ هلى سنرى الأرض من على متن طائرة ورقية؟ هل... هل... هل؟

حالة الترقب هذه تخلق نوعا من التوحد مع شخصيات الفيلم، فيتزايد تعاطف المشاهد معهم، ليصبح وكأنه واحد من الفريق المسؤول عن صنع هذه الطائرات، وهي محاولة ذكية من المخرجين لخلق حالة من الانسجام مع ما يجري في الفيلم، آخذين بعين الاعتبار أن جمهورهم قد لا يكون ممن يعرفون طبيعة العيش في هذا القطاع، وطبيعة سكانه.


وتلخيصا لما قيل، فيلم "طائرة ورقية" محاولة جادة لاجتثاث مشاهد الدموع والأسى من عقول محبي السينما وزرع مشاهد أخرى يسودها الفرح والأمل حول قطاع غزة بأطفال وشيوخه ونسائه ورجاله، عبر حلم الحرية وعالم الخيال وفك أسر السجن.