Wednesday, 23 October 2013

"المسلم المضحك؟" رؤية جديدة للإسلام في فيلم "المسلمون قادمون"


* لقراءة الموضوع بالإنجليزية، اضغط هنا.
بنظارة حمراء، وفستان قصير، وحذاء أخضر لا يتناسب مع ألوان الملابس التي ترتديها، تقدم نيغين فرساد فقراتها الكوميدية في أنحاء مختلفة من مدينة نيويورك، تتحدث فيها عن حياتها في أمريكا، وهجرة عائلتها الإيرانية قبل نحو ثلاثين عاما، إضافة إلى كونها مسلمة.

نيغين فرساد إلى جانب الكوميدي من أصل عربي دين عبيد الله قدموا لنا مؤخرا فيلما بعنوان "المسلمون قادمون،" أو The Muslims Are Coming، وهو فيلم يرصد رحلة الاثنين إلى جانب عدد آخر من الكوميديين الأمريكيين المسلمين في عدة ولايات أمريكية، بمحاولة منهم للتعرف إلى الفكرة التي يحملها الأمريكيون عن الإسلام والمسلمين.

كما نعرف جميعنا، الفكرة السائدة عن مواصفات المسلم بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول تختلف تماما عن مواصفات المسلم المذكورة أعلاه. فالسينما الأمريكية عموما قدمت المسلم المتطرف، الملتحي، الزائر للمسجد أكثر من زيارته لمنزله، الذي لا يفقه شيئا، وهمه الصراخ، والضرب والسب، والمسلمة المغطاة، التي تتبع زوجها، ولا رأي لها، ولا هم لها سوى المنزل والأولاد.

عبر رحلتهما، حاول عبيد الله وفرساد تقديم تجربة متواضعة في تغيير الفكرة النمطية للمسلم، عن طريق الكوميديا. فالتطرف لا يجتمع مع الضحك، وبالتالي من الصعب العثور على مسلم متطرف ومضحك في الوقت ذاته، وحتى يغير الأمريكي فكرته عن المسلمين، عليه أن يرى أصنافا جديدة ممن يعبرون عن الإسلام، أشخاصا يضحكوننا، ويذكروننا بأن أي عرق أو شعب على سطح هذه الكرة الأرضية ليس كل أفراده متكاملين، بل منهم الصالح ومنهم الطالح.

استضاف الفيلم أيضا مجموعة من الإعلاميين والكوميديين الأمريكيين، ممن عقبوا على الأفكار النمطية السائدة في أمريكا، ومنهم جون ستيوارت، وسوليداد أوبراين، وغيرهم.

ويخلص الفيلم إلى أن الإعلام الأمريكي والساسة الأمريكيون هم المسؤول الأول عن هذه الكارثة بحث المسلمين في أمريكا. فلو دخلت في صلب المجتمع العادي، لن تجد هذا الكره الشديد للإسلام والمسلمين المشابه لذلك الذي نجده على شاشات التلفزيون، وفي صفحات الإنترنت. بل هو عد معرفة بحقيقة ما يجري، فالأمريكيون بطبعهم لا يعون ما يحدث خارج حدود بلادهم، وبالتالي فالتعرف إلى شعوب العالم الأخرى هو يعتبر من الكماليات وليس الضروريات.

شعرت بالحزن والتعاطف مع فرساد حين كانت تقدم فقرتها في إحدى المدن، وتطرقت إلى قضية الجنس وموقعها ضمن أصولها الإيرانية، ما أدى إلى مغادرة بعض الفتيات المحجبات وغير المحجبات القاعة، ربما خجلا منهن أو استنكارا لسماع هذا النوع من الأحاديث في العلن، خصوصا وأن المجتمعات الإسلامية تمنع هذا النوع من الحديث ولا تفضل الخوض فيه خصوصا بين الإناث.

لست من المهتمين بالكوميديا أو من الضالعين فيها، ولكن أعتقد أن أي نوع من الفنون يسعى لإيصال فكرة إنسانية تساعد في محو الأفكار النمطية هو فن يحتاج للدعم والمساندة. وفرساد من موقعها كفتاة مسلمة إيرانية تعيش في الولايات المتحدة وتتقن فنا لا تخوضه الفتيات في العادة بحاجة إلى مساندة أنثوية كبيرة، إذ أن تركها وحيدة سيعزلها، وسيجعلها تبدو استثناء للقاعدة واختلافا عن خط سير الأخريات، الأمر الذي سيصعب مهمتها بشكل إضافي.

أخيرا، وهو الأهم، كان الهدف من تنفيذ هذا الفيلم تغيير الفكرة السائدة لدى المجتمع الأمريكي عن الإسلام والمسلمين، ولكن أعتقد أيضا أنه سيغير فكرة المسلم القادم إلى أمريكا عن رأي الأمريكيين فيه. فقبل قدومي إلى أمريكا، مثلا، كانت لدي تلك الرهبة من نظرة المجتمع الأمريكي لي كسيدة مسلمة. هل سيتقبلني؟ هل سأعاني سلبيا جراء ذلك؟ مشاهدتي لهذا الفيلم دفعتني إلى تغيير رأيي بالأمريكيين، وزوال هذا الخوف، لأنهم هنا في أمريكا، وكما ذكر في الفيلم، لا يفقهون شيئا عن الإسلام والمسلمين، بل هم يعكسون ما يرونه في وسائل الإعلام وما يتحدث حوله الساسة.

فشكرا لنيغين، وشكرا لدين، وشكرا لكل من ساهم في هذا العمل.

* مصدر الصورة: موقع فيلم The Americans Are Coming

Sunday, 20 October 2013

Torn: حكاية تسامح وريبة



بعد قراءتي لملخص قصة فيلم Torn، من تأليف مايكل ريتشتر وإخراج جيرامايا بيرنباوم، تساءلت في نفسي: أتمنى ألا يكون هذا فيلم آخر يتحدث عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول والفترة التي تلتها، حين ألقي اللوم بالكامل على المسلمين، وواجهوا المجتمع المسلم في الولايات المتحدة أشكالا مختلفة من العنصرية، ما ساهم بنشر صورة نمطية عن المسلم بأنه متطرف.

غير أن ريتشتر وبيرنباوم أثبتا أني كنت مخطئة تماما. فبعد مشاهدتي الفيلم، أعتقد أن السينما قادرة على مفاجئتنا بأفكار جديدة وغير تقليدية. رأيت في هذا الفيلم تجربة متحررة، ترغمنا على إعادة التفكير في إدراكنا لنمطية التفكير بالعرب والمسلمين في السينما الأمريكية.

يحكي فيلم Torn قصة عائلتين أمريكيتين يقتل ابناهما في تفجير مركز تجاري بالمدينة التي يقطنون فيها. وعبر التواصل مع بعضهما البعض، تجد الوالدتين، وإحداهما مسلمة، الراحة والأمان في شخصية الأخرى. وتظهر التطورات في القصة أن الصبي المسلم، الذي لم يتجاوز السادسة عشر من عمره، مشتبه بارتكابه التفجير، وهو ما يؤدي إلى توتر العلاقات بين الوالدتين.

ويقدم الفيلم تجربة متميزة في الطريقة التي تسلكها السينما لتغيير إدراكنا للثقافات والأعراق الأخرى. فمريم، السيدة الأمريكية المسلمة من أصول باكستانية، لا تبدو غريبة في الحي الذي سكنت فيه طوال عمرها. ومريم تعمل في مجالات العقارات، وثيابها تبدو كأي سيدة أمريكية عادية. وتشترك مريم مع زوجها بعلاقة حميمية، كما تظهر المشاهد الأولى في الفيلم.

وللحديث عن الفيلم، تحدثت إلى الكاتب مايكل ريتشتر، الذي قال: "تصوير مريم بهذه الطريقة هو أمر اتفقنا عليه منذ البداية، فأي شخص سيذهب لمشاهدة الفيلم، ستكون لديه فكرة مسبقة عن الفاعل. من أجل ذلك، أردنا مريم أن تبدو كأي شخص آخر، وأن تبدو نسانية عاقلة. فحين ينظر إليها الآخرون، عليهم أن يدركوا أن من المستحيل أن يكون شخص من عائلتها هو الفاعل."

أما مخرج الفيلم، جيرامايا بيرنباوم، فركز أكثر على هذه الفكرة قائلا: "نحن مهتمون بقصة أمريكية مختلفة، ومريم بنهاية الأمر، سيدة تعيش الحياة الأمريكية. وشخصيتها تبدو موائمة للقصة. من أجل ذلك، كان اختيار الممثلين أمرا مهما، لذا كنا نبحث عن ممثلين ممتازين لهذه الأدوار."

ويقدم الفيلم رسالة للتسامح والتقبل، ولهذا، كان من الطبيعي أن نجد ليا، السيدة الأخرى، تبحث عن الراحة والأمان وتجده عبر الحديث إلى مريم، لتعبر السيدتان هذه الأزمة سوية. ورغم أنهما تنتميان لثقافتين مختلفتين، كلاهما تمارس دورها كأم فقدت ابنها في حادث مريع. ولهذا، بدت هذه الأزمة الطريقة التي محت جميع الاختفالات الثقافية بينهما.

وقال ريتشتر وبيرنباوم إن هدفهما الأساسي كان اصطحاب الجمهور في رحلتهم الخاصة، ليبدؤوا لاحقا رحلة طرح التساؤلات حول معتقداتهم وأفكارهم.

وبالنظر إلى ماضيها الفوضوي، تبدو ليا أكثر ضياعا ويأسا. فبينما كانت ليا غاضبة مما فعله والتر، الشاب المسلم، دافعت عنه بشراسة أمام عناصر مكتب التحقيقات الفدرالي. ولعل هذه هي طريقتها في إيصال رسالة لنا مفادها: "قد تكون لديك شكوك حول شخص معين، لذا من الخطأ التعبير عنها في العلن، خصوصا عندما لا تكون لديك كامل القصة."

وخلال أحداث الفيلم، تحمل السيدتين شعورا من التناقض تجاه ما حصل. فالسيدتين على ثقة تامة بطريقة تربيتهما، ولكنهما في الوقت ذاته غير واثقتين بنظرة المجتمع لهما الآن. فمريم، على سبيل المثال، تستميت بالدفاع عن ابنها أمام الجيران، الذي بدؤوا يعاملونها بشكل عنيف. ولكنها في الوقت ذاته تبدو مترددة حيال ابنها خصوصا بعد أن تكتشف زياراته غير المبررة للمسجد.

يقول ريتشتر: "أعتقد أن الشخصيات تصبح أكثر جمالا عندما تكون معقدة من الداخل. فمثل هذا الصراع يكشف عن الاختلاف بين المستويين الشخصي والمجتمعي."

ولكن، ورغم ذلك، يركز الفيلم بشكل كبير على الاشتباه بوالتر في التفجير، لدرجة أن الأمر يصبح مكررا كثيرا في الفيلم، وهو ما قد يسلب من عناصر أخرى في الفيلم.

حين تحدثت إلى ريتشتر حول ذلك، قال: "أعتقد أنه كان من الضروري التركيز على هذه القضية، فهي تساعد في بناء حبكة الفيلم، والشخصيات فيه."

بشكل عام، Torn عمل فني قوي يسهم في إعادة التفكير بطريقة تعاملنا مع محيطنا، ليقدم رسالة تسامح وتقبل، ولكن أهم من ذلك كله، يأمل أن يخرج الجمهور من هذا الفيلم، ليفكروا بالقصة، وينعكس ذلك على حياتهم الخاصة.