بعد قراءتي لملخص قصة فيلم Torn، من تأليف مايكل ريتشتر وإخراج جيرامايا بيرنباوم، تساءلت في
نفسي: أتمنى ألا يكون هذا فيلم آخر يتحدث عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول
والفترة التي تلتها، حين ألقي اللوم بالكامل على المسلمين، وواجهوا المجتمع المسلم
في الولايات المتحدة أشكالا مختلفة من العنصرية، ما ساهم بنشر صورة نمطية عن
المسلم بأنه متطرف.
غير أن ريتشتر وبيرنباوم أثبتا أني كنت مخطئة تماما.
فبعد مشاهدتي الفيلم، أعتقد أن السينما قادرة على مفاجئتنا بأفكار جديدة وغير
تقليدية. رأيت في هذا الفيلم تجربة متحررة، ترغمنا على إعادة التفكير في إدراكنا
لنمطية التفكير بالعرب والمسلمين في السينما الأمريكية.
يحكي فيلم Torn قصة عائلتين أمريكيتين يقتل ابناهما في تفجير مركز تجاري بالمدينة
التي يقطنون فيها. وعبر التواصل مع بعضهما البعض، تجد الوالدتين، وإحداهما مسلمة،
الراحة والأمان في شخصية الأخرى. وتظهر التطورات في القصة أن الصبي المسلم، الذي
لم يتجاوز السادسة عشر من عمره، مشتبه بارتكابه التفجير، وهو ما يؤدي إلى توتر
العلاقات بين الوالدتين.
ويقدم الفيلم تجربة متميزة في الطريقة التي تسلكها
السينما لتغيير إدراكنا للثقافات والأعراق الأخرى. فمريم، السيدة الأمريكية
المسلمة من أصول باكستانية، لا تبدو غريبة في الحي الذي سكنت فيه طوال عمرها.
ومريم تعمل في مجالات العقارات، وثيابها تبدو كأي سيدة أمريكية عادية. وتشترك مريم
مع زوجها بعلاقة حميمية، كما تظهر المشاهد الأولى في الفيلم.
وللحديث عن الفيلم، تحدثت إلى الكاتب مايكل ريتشتر، الذي
قال: "تصوير مريم بهذه الطريقة هو أمر اتفقنا عليه منذ البداية، فأي شخص
سيذهب لمشاهدة الفيلم، ستكون لديه فكرة مسبقة عن الفاعل. من أجل ذلك، أردنا مريم
أن تبدو كأي شخص آخر، وأن تبدو نسانية عاقلة. فحين ينظر إليها الآخرون، عليهم أن
يدركوا أن من المستحيل أن يكون شخص من عائلتها هو الفاعل."
أما مخرج الفيلم، جيرامايا بيرنباوم، فركز أكثر على هذه
الفكرة قائلا: "نحن مهتمون بقصة أمريكية مختلفة، ومريم بنهاية الأمر، سيدة
تعيش الحياة الأمريكية. وشخصيتها تبدو موائمة للقصة. من أجل ذلك، كان اختيار
الممثلين أمرا مهما، لذا كنا نبحث عن ممثلين ممتازين لهذه الأدوار."
ويقدم الفيلم رسالة للتسامح والتقبل، ولهذا، كان من الطبيعي
أن نجد ليا، السيدة الأخرى، تبحث عن الراحة والأمان وتجده عبر الحديث إلى مريم،
لتعبر السيدتان هذه الأزمة سوية. ورغم أنهما تنتميان لثقافتين مختلفتين، كلاهما
تمارس دورها كأم فقدت ابنها في حادث مريع. ولهذا، بدت هذه الأزمة الطريقة التي محت
جميع الاختفالات الثقافية بينهما.
وقال ريتشتر وبيرنباوم إن هدفهما الأساسي كان اصطحاب
الجمهور في رحلتهم الخاصة، ليبدؤوا لاحقا رحلة طرح التساؤلات حول معتقداتهم
وأفكارهم.
وبالنظر إلى ماضيها الفوضوي، تبدو ليا أكثر ضياعا ويأسا.
فبينما كانت ليا غاضبة مما فعله والتر، الشاب المسلم، دافعت عنه بشراسة أمام عناصر
مكتب التحقيقات الفدرالي. ولعل هذه هي طريقتها في إيصال رسالة لنا مفادها:
"قد تكون لديك شكوك حول شخص معين، لذا من الخطأ التعبير عنها في العلن، خصوصا
عندما لا تكون لديك كامل القصة."
وخلال أحداث الفيلم، تحمل السيدتين شعورا من التناقض
تجاه ما حصل. فالسيدتين على ثقة تامة بطريقة تربيتهما، ولكنهما في الوقت ذاته غير
واثقتين بنظرة المجتمع لهما الآن. فمريم، على سبيل المثال، تستميت بالدفاع عن
ابنها أمام الجيران، الذي بدؤوا يعاملونها بشكل عنيف. ولكنها في الوقت ذاته تبدو
مترددة حيال ابنها خصوصا بعد أن تكتشف زياراته غير المبررة للمسجد.
يقول ريتشتر: "أعتقد أن الشخصيات تصبح أكثر جمالا
عندما تكون معقدة من الداخل. فمثل هذا الصراع يكشف عن الاختلاف بين المستويين
الشخصي والمجتمعي."
ولكن، ورغم ذلك، يركز الفيلم بشكل كبير على الاشتباه
بوالتر في التفجير، لدرجة أن الأمر يصبح مكررا كثيرا في الفيلم، وهو ما قد يسلب من
عناصر أخرى في الفيلم.
حين تحدثت إلى ريتشتر حول ذلك، قال: "أعتقد أنه كان
من الضروري التركيز على هذه القضية، فهي تساعد في بناء حبكة الفيلم، والشخصيات
فيه."
بشكل عام، Torn عمل فني قوي يسهم في إعادة التفكير بطريقة تعاملنا مع محيطنا،
ليقدم رسالة تسامح وتقبل، ولكن أهم من ذلك كله، يأمل أن يخرج الجمهور من هذا
الفيلم، ليفكروا بالقصة، وينعكس ذلك على حياتهم الخاصة.
No comments:
Post a Comment