إلى أي عصر وصلنا.. العصر الذي أصبحنا نبوح فيه بما في الصميم بملء إرادتنا، وهو ذات العصر الذي أصبحنا فيه كتبا مفتوحة على الفيسبوك والمدونات، بحيث أنك إذا شعرت يوما بـ"وجع في بطنك" ستجد الجميع يدري بذلك، ببساطة لأنك أنت نفسك قمت بإخبارهم.
حين أفتح صفحتي الخاصة على الفيسبوك وأجد تعليقات مثل: "عندي حكة في قدمي" أو "لم أعد
أحب قطتي" أو ما يشبه ذلك أتساءل في داخلي: "وأنا شو دخل اللي خلّفني؟" ولماذا عليّ إطلاع المئات بمثل هذه الأسرار الخاصة، والتي لا أعتبرها أسرارا بقدر ما هي أمور شخصية لا تخص الآخرين، بل تخصني أنا وحدي.. وجدت أن السبب الرئيسي في ذلك يعود إلى نظرية: "أنا أتحدث على الفيسبوك.. إذا أنا موجود"..
قبل استكمال الحديث، يجب أن أعبر عن إعجابي الشديد بهذا الاختراع الذي أطلقوا عليه اسم الفيسبوك، وعن إعجابي بصاحب الفكرة مارك زوكربيرغ لما يملكه من فصاحة وذكاء جعلت سكان الفيسبوك من أكثر سكان العالم.. فالاعتراض ليس على شخص هذا الاختراع العجيب، بل على طريقة استخدامه فحسب من قبل البعض، والتي جعلت العام عاما والخاص عاما..
وهذه المقولة أيضا إنما تذكرني بما يعرض حاليا على شاشة ام بي سي 4، وهو برنامج "لحظة الحقيقة"، الذي أجد فكرته سخيفة ولا تحمل أي معنى، ولا هدف لها، سوى إلهاء الناس بإثارة سطحية وفارغة، خالية من المضمون، وإقناعهم بأن أسرار حياتهم من الطبيعي أن تصبح عامة في ظل ما نعيشه من فضائيات وفيسبوك وتويتر وغير ذلك..
إذا .. فعلاقة قديمة بين موظفة ومديرها أخفاها الزمن ستصبح شغلنا الشاغل، أو ندم الزوجة على زواجها من الرجل الذي يجلس في الاستوديو أصبح من أبرز اهتمامات المتفرجين، أو أن خيانة الابن لوالديه وتعاطيه الممنوعات صار المصدر الأهم لدر الأرباح على المتسابق، الذي لا أدري بأي "عين" يجلس أمام المقدم ويشارك في هذا البرنامج مفصحا عن أسرار حياته، غير آبه بمشاعر الأطراف الأخرى ذات العلاقة.
قد يقول البعض بأن هذا النوع من البرامج إنما بعيد عن عاداتنا وتقاليدنا وما إلى ذلك، غير أنني أخالف ما قيل، فهذا البرنامج لا يمت للإنسانية بصلة، لأن هناك جزءا صغيرا في حياتنا نرغب بالاحتفاظ به لأنفسنا، ولا يمكن أن نسمح له بالتسلل خارجا ليصبح وسيلة لترفيه الآخرين، أو مصدرا يدر علينا الدخل الوفير.
كما أننا وبكل صراحة .. أستغرب نجما كعباس النوري يوافق على تقديم نوع كهذا من البرامج، فهذا الرجل الذي أدرى دورا ولا أروع في عمل لن ينساه التاريخ وهو "ليس سرابا"، أدى فيه دور المثقف الواعي، لا يمكن أن يرضى بالمشاركة في جريمة لكشف الأسرار من أجل تسلية الآخرين.
كنت أستغرب قديما ممن يذهبون إلى السينما لحضور فيلم رعب، وأتساءل: "كيف يدفع الإنسان نقودا ليخاف؟" لأجد أن هذا الأمر عادي مقارنة مع ما يسمى بلحظة الحقيقة، فكيف يصبح السر الخفي ترفيها ووسيلة لجذب الدعايات والإعلانات؟
"لحظة الحقيقة": حتى الحقيقة.. أصبحنا نجيب على تساءؤلاها بنعم أو لا.. في أي زمن أصبحنا؟ ولأي زمن نتجه؟ "حقيقة" لا أدري لها جوابا، فالجواب ليس بتلك السهولة التي يتخيلها عباس النوري وبرنامجه..
حين أفتح صفحتي الخاصة على الفيسبوك وأجد تعليقات مثل: "عندي حكة في قدمي" أو "لم أعد
أحب قطتي" أو ما يشبه ذلك أتساءل في داخلي: "وأنا شو دخل اللي خلّفني؟" ولماذا عليّ إطلاع المئات بمثل هذه الأسرار الخاصة، والتي لا أعتبرها أسرارا بقدر ما هي أمور شخصية لا تخص الآخرين، بل تخصني أنا وحدي.. وجدت أن السبب الرئيسي في ذلك يعود إلى نظرية: "أنا أتحدث على الفيسبوك.. إذا أنا موجود"..
قبل استكمال الحديث، يجب أن أعبر عن إعجابي الشديد بهذا الاختراع الذي أطلقوا عليه اسم الفيسبوك، وعن إعجابي بصاحب الفكرة مارك زوكربيرغ لما يملكه من فصاحة وذكاء جعلت سكان الفيسبوك من أكثر سكان العالم.. فالاعتراض ليس على شخص هذا الاختراع العجيب، بل على طريقة استخدامه فحسب من قبل البعض، والتي جعلت العام عاما والخاص عاما..
وهذه المقولة أيضا إنما تذكرني بما يعرض حاليا على شاشة ام بي سي 4، وهو برنامج "لحظة الحقيقة"، الذي أجد فكرته سخيفة ولا تحمل أي معنى، ولا هدف لها، سوى إلهاء الناس بإثارة سطحية وفارغة، خالية من المضمون، وإقناعهم بأن أسرار حياتهم من الطبيعي أن تصبح عامة في ظل ما نعيشه من فضائيات وفيسبوك وتويتر وغير ذلك..
إذا .. فعلاقة قديمة بين موظفة ومديرها أخفاها الزمن ستصبح شغلنا الشاغل، أو ندم الزوجة على زواجها من الرجل الذي يجلس في الاستوديو أصبح من أبرز اهتمامات المتفرجين، أو أن خيانة الابن لوالديه وتعاطيه الممنوعات صار المصدر الأهم لدر الأرباح على المتسابق، الذي لا أدري بأي "عين" يجلس أمام المقدم ويشارك في هذا البرنامج مفصحا عن أسرار حياته، غير آبه بمشاعر الأطراف الأخرى ذات العلاقة.
قد يقول البعض بأن هذا النوع من البرامج إنما بعيد عن عاداتنا وتقاليدنا وما إلى ذلك، غير أنني أخالف ما قيل، فهذا البرنامج لا يمت للإنسانية بصلة، لأن هناك جزءا صغيرا في حياتنا نرغب بالاحتفاظ به لأنفسنا، ولا يمكن أن نسمح له بالتسلل خارجا ليصبح وسيلة لترفيه الآخرين، أو مصدرا يدر علينا الدخل الوفير.
كما أننا وبكل صراحة .. أستغرب نجما كعباس النوري يوافق على تقديم نوع كهذا من البرامج، فهذا الرجل الذي أدرى دورا ولا أروع في عمل لن ينساه التاريخ وهو "ليس سرابا"، أدى فيه دور المثقف الواعي، لا يمكن أن يرضى بالمشاركة في جريمة لكشف الأسرار من أجل تسلية الآخرين.
كنت أستغرب قديما ممن يذهبون إلى السينما لحضور فيلم رعب، وأتساءل: "كيف يدفع الإنسان نقودا ليخاف؟" لأجد أن هذا الأمر عادي مقارنة مع ما يسمى بلحظة الحقيقة، فكيف يصبح السر الخفي ترفيها ووسيلة لجذب الدعايات والإعلانات؟
"لحظة الحقيقة": حتى الحقيقة.. أصبحنا نجيب على تساءؤلاها بنعم أو لا.. في أي زمن أصبحنا؟ ولأي زمن نتجه؟ "حقيقة" لا أدري لها جوابا، فالجواب ليس بتلك السهولة التي يتخيلها عباس النوري وبرنامجه..