Sunday, 3 November 2013

"طائرة ورقية" فيلم عن حلم طفولي بالحرية في غزة



كانت عيونهم تحمل فرحا وسعادة، تجعلك تعتقد أنهم يعيشون في رخاء ونعيم، وأن حياتهم هادئة وطبيعية، ولا يخطر في ذهنك أبدا أنهم يناضلون من أجل العلم والصحة والحياة.

العيون الفرحة، والابتسامات العريضة، والأجساد النحيلة كانت عناوين متفرقة لفيلم واحد هو "طائرة ورقية،" الذي يوثق حكاية أطفال قطاع غزة وسعيهم لدخول موسوعة غينيس للأرقام القياسية بالمشاركة في أكبر عرض للطائرات الورقية على شاطئ القطاع.

لم يستخدم هؤلاء الأطفال طائرات ابتاعوها من "السوبرماركت"، بل صنعوها بأيديهم. ولم يستخدموا مواد غالية الثمن لجعلها تطير، بل استخدموا ما اهتدت إليه أيديهم الصغيرة من حاجيات المنزل، فكانت بقايا قطع الخشب هي هيكل الطائرة، وأوراق الصحف هي جسم الطائرة، أما خليط الطحين بالماء فكان الغراء الذي ألصق الجسد بالهيكل.

الفيلم كان توثيقيا لجميع مراحل صنع الطائرات وتحليقها، وقدم لمشاهديه لحظات الفشل والنجاح، وخيبة الأمل والفخر، وحاول الابتعاد عن النمطية في وضع غزة وسكانها ضمن إطار الفقر والبؤس والمعاناة جراء القصف الإسرائيلي.

قدم فيلم "طائرة ورقية" شخصية الصبي الذي يحلم بالتحليق للخروج من حصار القطاع على متن طائرته الورقية، وشخصية الصبية التي تحلم بأن تصبح صحفية يوما ما. كلا الحالتين هي محاولة من المخرجين نيتين سوهني وروجر هيل لخلق حالة من الحلم الجميل لهؤلاء الأطفال، جعلهم يتخيلون كيف يبدو العالم وراء بحر غزة، وخلف الأسلاك الشائكة الإسرائيلية.

ما تميز به الفيلم كذلك هو استخدام الصور الغرافيكية للطائرة الورقية، التي بدت تنتقل بحرية في أرجاء غزة، وتعلو فوق الجميع وكأن روح هؤلاء الأطفال معلقة فيها تحملهم بعيدا إلى خيالهم خارج السور والاحتجاز.

بالطبع، لم تغب ذكرى الحرب الإسرائيلية على غزة عام 2009 عن ذاكرة هؤلاء الأطفال، فهم يتذكرونها يوميا عبر المنازل التي قصفت وهدمت ولا زالت أنقاضها قائمة حتى اليوم، وعبر طلقات الرصاص التي أصبحت شبه يومية، توقظهم في عتمة الليل.

في الفيلم، تمكن الأطفال من كسر الرقم القياسي والدخول في موسوعة غينيس للأرقام القياسية، أو على حد قولهم تمكنوا من تعريف العالم بغزة بعيدا عن الحرب والقتل. وقد تكون في ذلك إشارة إلى أن السجن قد يفتح في يوم من الأيام، وسيتمكن جميع أهل القطاع من التحليق تماما كطائراتهم الورقية.

ورغم طول مدة الفيلم، ودخول بعض مشاهده حالة من الروتين والأحادية في الإيقاع، يدخل المشاهد في حالة ترقب بعد طول انتظار. فعلى سبيل المثال، يعيش المشاهد مع الأطفال جميع لحظات صنع الطائرة، حتى يصل إلى المشهد الذي يحاولون فيه تركيب كاميرا صغيرة على متن الطائرة لتصور الأرض من الجو، فتتداخل الأسئلة، هل ستطير الطائرة؟ هل سينجحون؟ هلى سنرى الأرض من على متن طائرة ورقية؟ هل... هل... هل؟

حالة الترقب هذه تخلق نوعا من التوحد مع شخصيات الفيلم، فيتزايد تعاطف المشاهد معهم، ليصبح وكأنه واحد من الفريق المسؤول عن صنع هذه الطائرات، وهي محاولة ذكية من المخرجين لخلق حالة من الانسجام مع ما يجري في الفيلم، آخذين بعين الاعتبار أن جمهورهم قد لا يكون ممن يعرفون طبيعة العيش في هذا القطاع، وطبيعة سكانه.


وتلخيصا لما قيل، فيلم "طائرة ورقية" محاولة جادة لاجتثاث مشاهد الدموع والأسى من عقول محبي السينما وزرع مشاهد أخرى يسودها الفرح والأمل حول قطاع غزة بأطفال وشيوخه ونسائه ورجاله، عبر حلم الحرية وعالم الخيال وفك أسر السجن.

Wednesday, 23 October 2013

"المسلم المضحك؟" رؤية جديدة للإسلام في فيلم "المسلمون قادمون"


* لقراءة الموضوع بالإنجليزية، اضغط هنا.
بنظارة حمراء، وفستان قصير، وحذاء أخضر لا يتناسب مع ألوان الملابس التي ترتديها، تقدم نيغين فرساد فقراتها الكوميدية في أنحاء مختلفة من مدينة نيويورك، تتحدث فيها عن حياتها في أمريكا، وهجرة عائلتها الإيرانية قبل نحو ثلاثين عاما، إضافة إلى كونها مسلمة.

نيغين فرساد إلى جانب الكوميدي من أصل عربي دين عبيد الله قدموا لنا مؤخرا فيلما بعنوان "المسلمون قادمون،" أو The Muslims Are Coming، وهو فيلم يرصد رحلة الاثنين إلى جانب عدد آخر من الكوميديين الأمريكيين المسلمين في عدة ولايات أمريكية، بمحاولة منهم للتعرف إلى الفكرة التي يحملها الأمريكيون عن الإسلام والمسلمين.

كما نعرف جميعنا، الفكرة السائدة عن مواصفات المسلم بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول تختلف تماما عن مواصفات المسلم المذكورة أعلاه. فالسينما الأمريكية عموما قدمت المسلم المتطرف، الملتحي، الزائر للمسجد أكثر من زيارته لمنزله، الذي لا يفقه شيئا، وهمه الصراخ، والضرب والسب، والمسلمة المغطاة، التي تتبع زوجها، ولا رأي لها، ولا هم لها سوى المنزل والأولاد.

عبر رحلتهما، حاول عبيد الله وفرساد تقديم تجربة متواضعة في تغيير الفكرة النمطية للمسلم، عن طريق الكوميديا. فالتطرف لا يجتمع مع الضحك، وبالتالي من الصعب العثور على مسلم متطرف ومضحك في الوقت ذاته، وحتى يغير الأمريكي فكرته عن المسلمين، عليه أن يرى أصنافا جديدة ممن يعبرون عن الإسلام، أشخاصا يضحكوننا، ويذكروننا بأن أي عرق أو شعب على سطح هذه الكرة الأرضية ليس كل أفراده متكاملين، بل منهم الصالح ومنهم الطالح.

استضاف الفيلم أيضا مجموعة من الإعلاميين والكوميديين الأمريكيين، ممن عقبوا على الأفكار النمطية السائدة في أمريكا، ومنهم جون ستيوارت، وسوليداد أوبراين، وغيرهم.

ويخلص الفيلم إلى أن الإعلام الأمريكي والساسة الأمريكيون هم المسؤول الأول عن هذه الكارثة بحث المسلمين في أمريكا. فلو دخلت في صلب المجتمع العادي، لن تجد هذا الكره الشديد للإسلام والمسلمين المشابه لذلك الذي نجده على شاشات التلفزيون، وفي صفحات الإنترنت. بل هو عد معرفة بحقيقة ما يجري، فالأمريكيون بطبعهم لا يعون ما يحدث خارج حدود بلادهم، وبالتالي فالتعرف إلى شعوب العالم الأخرى هو يعتبر من الكماليات وليس الضروريات.

شعرت بالحزن والتعاطف مع فرساد حين كانت تقدم فقرتها في إحدى المدن، وتطرقت إلى قضية الجنس وموقعها ضمن أصولها الإيرانية، ما أدى إلى مغادرة بعض الفتيات المحجبات وغير المحجبات القاعة، ربما خجلا منهن أو استنكارا لسماع هذا النوع من الأحاديث في العلن، خصوصا وأن المجتمعات الإسلامية تمنع هذا النوع من الحديث ولا تفضل الخوض فيه خصوصا بين الإناث.

لست من المهتمين بالكوميديا أو من الضالعين فيها، ولكن أعتقد أن أي نوع من الفنون يسعى لإيصال فكرة إنسانية تساعد في محو الأفكار النمطية هو فن يحتاج للدعم والمساندة. وفرساد من موقعها كفتاة مسلمة إيرانية تعيش في الولايات المتحدة وتتقن فنا لا تخوضه الفتيات في العادة بحاجة إلى مساندة أنثوية كبيرة، إذ أن تركها وحيدة سيعزلها، وسيجعلها تبدو استثناء للقاعدة واختلافا عن خط سير الأخريات، الأمر الذي سيصعب مهمتها بشكل إضافي.

أخيرا، وهو الأهم، كان الهدف من تنفيذ هذا الفيلم تغيير الفكرة السائدة لدى المجتمع الأمريكي عن الإسلام والمسلمين، ولكن أعتقد أيضا أنه سيغير فكرة المسلم القادم إلى أمريكا عن رأي الأمريكيين فيه. فقبل قدومي إلى أمريكا، مثلا، كانت لدي تلك الرهبة من نظرة المجتمع الأمريكي لي كسيدة مسلمة. هل سيتقبلني؟ هل سأعاني سلبيا جراء ذلك؟ مشاهدتي لهذا الفيلم دفعتني إلى تغيير رأيي بالأمريكيين، وزوال هذا الخوف، لأنهم هنا في أمريكا، وكما ذكر في الفيلم، لا يفقهون شيئا عن الإسلام والمسلمين، بل هم يعكسون ما يرونه في وسائل الإعلام وما يتحدث حوله الساسة.

فشكرا لنيغين، وشكرا لدين، وشكرا لكل من ساهم في هذا العمل.

* مصدر الصورة: موقع فيلم The Americans Are Coming

Sunday, 20 October 2013

Torn: حكاية تسامح وريبة



بعد قراءتي لملخص قصة فيلم Torn، من تأليف مايكل ريتشتر وإخراج جيرامايا بيرنباوم، تساءلت في نفسي: أتمنى ألا يكون هذا فيلم آخر يتحدث عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول والفترة التي تلتها، حين ألقي اللوم بالكامل على المسلمين، وواجهوا المجتمع المسلم في الولايات المتحدة أشكالا مختلفة من العنصرية، ما ساهم بنشر صورة نمطية عن المسلم بأنه متطرف.

غير أن ريتشتر وبيرنباوم أثبتا أني كنت مخطئة تماما. فبعد مشاهدتي الفيلم، أعتقد أن السينما قادرة على مفاجئتنا بأفكار جديدة وغير تقليدية. رأيت في هذا الفيلم تجربة متحررة، ترغمنا على إعادة التفكير في إدراكنا لنمطية التفكير بالعرب والمسلمين في السينما الأمريكية.

يحكي فيلم Torn قصة عائلتين أمريكيتين يقتل ابناهما في تفجير مركز تجاري بالمدينة التي يقطنون فيها. وعبر التواصل مع بعضهما البعض، تجد الوالدتين، وإحداهما مسلمة، الراحة والأمان في شخصية الأخرى. وتظهر التطورات في القصة أن الصبي المسلم، الذي لم يتجاوز السادسة عشر من عمره، مشتبه بارتكابه التفجير، وهو ما يؤدي إلى توتر العلاقات بين الوالدتين.

ويقدم الفيلم تجربة متميزة في الطريقة التي تسلكها السينما لتغيير إدراكنا للثقافات والأعراق الأخرى. فمريم، السيدة الأمريكية المسلمة من أصول باكستانية، لا تبدو غريبة في الحي الذي سكنت فيه طوال عمرها. ومريم تعمل في مجالات العقارات، وثيابها تبدو كأي سيدة أمريكية عادية. وتشترك مريم مع زوجها بعلاقة حميمية، كما تظهر المشاهد الأولى في الفيلم.

وللحديث عن الفيلم، تحدثت إلى الكاتب مايكل ريتشتر، الذي قال: "تصوير مريم بهذه الطريقة هو أمر اتفقنا عليه منذ البداية، فأي شخص سيذهب لمشاهدة الفيلم، ستكون لديه فكرة مسبقة عن الفاعل. من أجل ذلك، أردنا مريم أن تبدو كأي شخص آخر، وأن تبدو نسانية عاقلة. فحين ينظر إليها الآخرون، عليهم أن يدركوا أن من المستحيل أن يكون شخص من عائلتها هو الفاعل."

أما مخرج الفيلم، جيرامايا بيرنباوم، فركز أكثر على هذه الفكرة قائلا: "نحن مهتمون بقصة أمريكية مختلفة، ومريم بنهاية الأمر، سيدة تعيش الحياة الأمريكية. وشخصيتها تبدو موائمة للقصة. من أجل ذلك، كان اختيار الممثلين أمرا مهما، لذا كنا نبحث عن ممثلين ممتازين لهذه الأدوار."

ويقدم الفيلم رسالة للتسامح والتقبل، ولهذا، كان من الطبيعي أن نجد ليا، السيدة الأخرى، تبحث عن الراحة والأمان وتجده عبر الحديث إلى مريم، لتعبر السيدتان هذه الأزمة سوية. ورغم أنهما تنتميان لثقافتين مختلفتين، كلاهما تمارس دورها كأم فقدت ابنها في حادث مريع. ولهذا، بدت هذه الأزمة الطريقة التي محت جميع الاختفالات الثقافية بينهما.

وقال ريتشتر وبيرنباوم إن هدفهما الأساسي كان اصطحاب الجمهور في رحلتهم الخاصة، ليبدؤوا لاحقا رحلة طرح التساؤلات حول معتقداتهم وأفكارهم.

وبالنظر إلى ماضيها الفوضوي، تبدو ليا أكثر ضياعا ويأسا. فبينما كانت ليا غاضبة مما فعله والتر، الشاب المسلم، دافعت عنه بشراسة أمام عناصر مكتب التحقيقات الفدرالي. ولعل هذه هي طريقتها في إيصال رسالة لنا مفادها: "قد تكون لديك شكوك حول شخص معين، لذا من الخطأ التعبير عنها في العلن، خصوصا عندما لا تكون لديك كامل القصة."

وخلال أحداث الفيلم، تحمل السيدتين شعورا من التناقض تجاه ما حصل. فالسيدتين على ثقة تامة بطريقة تربيتهما، ولكنهما في الوقت ذاته غير واثقتين بنظرة المجتمع لهما الآن. فمريم، على سبيل المثال، تستميت بالدفاع عن ابنها أمام الجيران، الذي بدؤوا يعاملونها بشكل عنيف. ولكنها في الوقت ذاته تبدو مترددة حيال ابنها خصوصا بعد أن تكتشف زياراته غير المبررة للمسجد.

يقول ريتشتر: "أعتقد أن الشخصيات تصبح أكثر جمالا عندما تكون معقدة من الداخل. فمثل هذا الصراع يكشف عن الاختلاف بين المستويين الشخصي والمجتمعي."

ولكن، ورغم ذلك، يركز الفيلم بشكل كبير على الاشتباه بوالتر في التفجير، لدرجة أن الأمر يصبح مكررا كثيرا في الفيلم، وهو ما قد يسلب من عناصر أخرى في الفيلم.

حين تحدثت إلى ريتشتر حول ذلك، قال: "أعتقد أنه كان من الضروري التركيز على هذه القضية، فهي تساعد في بناء حبكة الفيلم، والشخصيات فيه."

بشكل عام، Torn عمل فني قوي يسهم في إعادة التفكير بطريقة تعاملنا مع محيطنا، ليقدم رسالة تسامح وتقبل، ولكن أهم من ذلك كله، يأمل أن يخرج الجمهور من هذا الفيلم، ليفكروا بالقصة، وينعكس ذلك على حياتهم الخاصة.


Thursday, 26 September 2013

رسالة إلى صندوق دعم الطفل الفلسطيني _ A Letter to the Palestinian Children's Relief Fund


أصدقائي في صندوق دعم الطفل الفلسطيني:

كم منا يمتلك الكون بأكمله، من جسد كامل، وحياة مريحة، وعلم مفيد، وأولاد سعداء، ثم يجلس على حافة كرسيه، عابس الوجه، مهموما حزينا، يفكر فيما ينقصه، وفيما يمكن أن يحمل الغد من مشاكل جديدة.

هذا ما دار في خلدي اليوم بعد زيارتي آية. ولأعرفكم بآية، فهي فتاة في الصف العاشر، فلسطينية من قبلان، قضاء نابلس، ولدت بعيب خلقي في رجلها اليمنى، وأجرت حوالي الأربعة عشر عملية جراحية لإصلاح الخلل، حتى جاءت مجموعة من الأطباء الأجانب لتسعفها في فلسطين، ومن ثم سافرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية لتركيب قدم صناعية وعدتها بحياة جديدة. طبعا كل ذلك بجهود مشكورة من صندوق دعم الطفل الفلسطيني.

رغم وضع آية الصحي، وسفرها بعيدا عن أهلها لشهر أو أكثر، وحياتها الصعبة في بلدتها، والآن اعتيادها على وضع جديد باستخدام القدم الصناعية، حافظت هذه الفتاة على ابتسامة عريضة، لم أر لها مثيلا. ابتسامة أخذتني إلى سماء فلسطين، وحلقت بي عاليا فوق سهولها وزيتونها، وجعلت من مرارة الغربة هنا أملا في مساعدة المزيد من الأطفال، ممن يحملون بسمة برغم كل شيء.

حدثتني آية عن قبلان، وعن العمليات الأربعة عشر، وعن رحلة السفر بالطائرة، وأخبرتني عن ولعها بمحمد عساف، وشاهدنا أغنيته "علي الكوفية" سويا، ذكرني ولعها به بصبانا حين كنا نتخيل ممثلا أو مغنيا نحبه، وكيف تلمع عينانا حين يمر خياله أمامنا. شاركتني آية صور رحلاتها في أمريكا، والأشخاص الذين تعرفت بهم، والذكريات التي ستحملها معها حين تعود إلى قبلان.

اليوم آية عادت برجل جديدة وبابتسامة عريضة، وقبلها عاد العشرات من الأطفال الفلسطينيين والعرب إلى ديارهم بآمال كبير في غد أكثر سعادة، لأن في هذا العالم، الذي أصبح كثير السواد هذه الأيام، لا يزال هناك من يهتم، ومن ينصت، ويمن يعمل لأجل هؤلاء الأطفال.

شكرا لكل من كان له يد في إطلاق صندوق دعم الطفل الفلسطيني، حتى وإن كان هذا الشكر متأخرا كثيرا جدا بعد سنوات عديدة من إطلاقه. شكرا لأنكم لم تطبعوا بسمة على وجوه هؤلاء الأطفال فقط، بل طبعتم بسمة على وجوهنا أيضا، نحن الذين نمتلك الكون بأكمله، من جسد كامل، وحياة مريحة، وعلم مفيد، وأولاد سعداء، ومن ثم نجلس على حافة كراسينا، عابسي الوجوه، مهمومين حزينين، نفكر فيما ينقصنا!

سامية م. عايش
26 أيلول 2013




Dear PCRF:

How many of us own the whole world, a perfect body, a comfortable life, happy children, and then sit on their chair, unhappy, miserable, helplessly thinking about problems to come.

This is what I was thinking about today when I visited Ayah. Ayah is a young Palestinian girl in high school. She comes from Kabalan, Nablus in the West Bank. She was born with a birth defect in her right leg. She went through 14 surgeries to fix that. One day, she registers her name with the PCRF, and she comes to the US to get a prosthetic leg.

Despite her health condition, travelling away from her family for a month or so, her difficult life back home, and now getting used to this new part of her body, Ayah manages to keep a big smile on her face. I have not seen anything like that before. Her smile reminds you of the clear sky in Palestine and the real colors of earth. Her smile transformed the bitterness we have into some hope of helping more children.

Ayah told me about Kabalan, the 14 surgeries she went through, and her journey from home to Amman, Frankfurt, and then to Houston. She also told me how much she loves Mohammed Assaf, the Palestinian Arab Idol. We saw his famous song together. Ayah showed me her pictures with the wonderful host family taking care of her, and she shared with me the memories sh'll carry back home.

Today, Ayah goes back with a new leg and a big smile. Before her, tens of Palestinian and Arab kids went back home happily looking for a better future, because in this world, there are people who still care, still listen, and still work hard to build a better future for such kids.

So, thanks PCRF for all the great work you are doing (despite the fact that this thank you is very late after those so many years of launching it). Thank you very much because not only you made these kids feel better, but you also made us feel much better. Us, who own the whole world, a perfect body, a comfortable life, happy children, and then sit on our chairs, unhappy, miserable, helplessly thinking about problems to come!

Samya M. Ayish
26 September 2013

Thursday, 19 September 2013

طفلي بين واقعين: واقع يقرأ وواقع لا يقرأ!

أرسلت ابني البالغ من العمر خمس سنوات خلال عامين إلى نفس الصف مرتين، إلى الروضة، مرة في الإمارات، والمرة الثانية في أمريكا. تجربتان مختلفتان تماما، ولا أعني أن إحداهما سيئة وإحداهما جيدة، بل إن إحداهما يجب أن تعلم الأخرى. 

أتمنى لو تأخذ مدارسنا في العالم العربي بعضا من النقاط التالية في  الحسبان، فلا نريد بناء جيل من المخترعين والمستكشفين والعباقرة، ولكن نريد بناء جيل يتمسك بهويته وثقافته ولغته، جيل يقرأ ويقرأ ويقرأ، جيل يكبر على الاعتماد على الذات والشجاعة، لأن ذلك كله سيؤدي في النهاية إلى جيل من المخترعين والمستكشفين والعباقرة.

كنت مدعوة اليوم لحضور اجتماع للأهالي، للتعرف إلى سياسة المدرسة، وأساليب التعليم، والتعرف إلى المعلمات بشكل أفضل، وهذا ما خرجت به: 

- موعد الاجتماع كان الساعة 6:45، وفعلا بدأت المديرة بالحديث الساعة 6:45. لا تأخير، واحترام الوقت هو الأهم.

- إلى جانب المديرة، وقفت شابة في بداية الثلاثينيات تترجم ما يقال بلغة الإشارة. لم أفكر سابقا بضرورة وجود ترجمة بلغة الإشارة، ولكن اليوم فقط أدركت كيف يكون احترام الإنسان بكافة قدراته.

- شددت المعلمات في بداية حديثهن على الكتاب والقراءة، وهذا ما قلنه:

"القراءة .. القراءة.. القراءة.. يجب أن يحاط الأطفال بالكتاب في كل مكان، يجب أن يقرأ كتابا في كل وقت، لأن القراءة وحدها تجعله يسافر إلى كل مكان وهو في مكانه، وهي توسع مداركه، حتى الرياضيات نعلمها في هذا العمر عن طريق القراءة."

- قد لا نتوقع الكثير من هؤلاء الطلاب الصغار، ولكنهم يفاجئوننا دوما، لأنهم مثل الاسفنج يمتصون الكثير ويقدمون الأكثر. فلا داعي للقول إن هذا الطفل لا زال صغيرا، وقد لا يستطيع، بل هو قد يفوق توقعاتنا، ويستطيع، ومن هنا يأتي مفهوم الإيمان بالطفل.

لم تكن مدرسة ابني في الإمارات سيئة، بل جيدة جدا، وكان يحبها كثيرا، ولكن أعتقد أن المدارس في بلداننا العربية، تفصل بين حياة الطالب في المدرسة وخارجها، لتصبح ازدواجية في التعامل، ولا يشعر الطالب أن والديه ومعلميه فريق واحد، وهو أمر خاطئ، لأنه سيعيش على إثرها حالة من الضياع. لذا قد يكون الكتاب والقراءة هو الرابط بين هذين الواقعين.


Tuesday, 13 August 2013

كيف أصبح عادل إمام مضيعة للوقت؟




أعترف شخصيا أنني لست من عشاق الممثل المصري عادل إمام، رغم علمي بالقاعدة الجماهيري الواسعة التي يمتلكها، بسبب أعمالع الكوميدية السابقة، والتي صنعت له تاريخا فنيا حافلا، أنا عن نفسي، أرى أنه كان ناجحا.

ولا أعلم بصراحة كيف اهتديت هذا العام في شهر رمضان لمتابعة عمله الجديد "العراف،" وما الذي جذبني إليه بالضبط. قد أكون أحسست لوهلة أن فنانا كبيرا كعادل إمام لا بد أن يشارك في عمل سيترك بصمة كبيرة في هذا الشهر، خصوصا وأن الأعمال هذا العام شهدت انخفاضا في العدد (وعلى الأرجح في المضمون)، وبالتالي قد تكون مشاهدة أعمال الفنانين الكبار هي محاولة مني للبقاء في منطقة الأمان.

ولكن، وبعد انتهاء رمضان، دار في رأي سؤال واحد: منذ متى أصبح عادل إمام مضيعة للوقت؟ هذا بالضبط ما يلخص مسلسله هذا العام. فبصرف النظر عن القصة التقليدية وبطلها الخارق للعادة، والمشاهد الطويلة التي تستنزف من وقت العمل، ولا تخدمه دراميا، والنهاية غير المنطقية على الإطلاق، كانت هناك قضيتان في العمل لا يمكن التغاضي عن الإساءة التي تسببتا فيها للمشاهد أولا، ولجميع من عملوا فيه ثانيا.

أولا: بدت شخصية البطل (وهو عادل إمام) شخصية تائهة، برغم أن لديه توجها واحدا هو النصب. فكيف وافق عادل إمام، وهو بعد هذا العمر الطويل أصبح الأكثر خبرة في تركيب الشخصيات، كيف وافق على شخصية تمتلك كل شيء: الجيد والسيء، وهو يدري أن في هذه الحياة لا وجود لمثل ذلك.

لو كان هذا العمل يحمل اسم من قبيل "سوبر مان" مثلا لعذرناه، فقد ظهر في العمل على أنه رجل خارق فعلا. فعندما يصاب خليل دياب بأزمة صحية، نجد بطلنا (وبا سبحان الله) يمتلك إبرة الحل. وعندما تتمنى الابنة الحصول على زواج لن تنساه، نجد الوالد يصنع شيئا من لا شيء في ذات اليوم.

ثانيا: استغل العمل أحداثا واقعية كثورة 25 يناير لخدمة النص بطريقة بلهاء. فالبطل يرشح نفسه لخوض انتخابات رئاسية، وقبلها يتنبأ بسقوط النظام، وقبل ذلك كله، يهرب من السجن مع السجناء الهاربين بأسلوب حاول جعله كوميديا ولكنه لم يفلح في ذلك.

أفهم محاولة المخرج، ابنه رامي إمام، بقولبة شخصية فرانك أبيغنال من فيلم Catch Me If you Can في إطار عربي، ولكن هذا النوع من الأعمال بالذات بحاجة إلى كاتب سيناريو (ما حصلش) قادر على خلق حبكة درامية تثير المشاهد نحو تتبع الأحداث.


لم تنجح عزيزي عادل إماما في جذب المشاهدين إلى عملك هذه المرة، فخذها نصيحة مني هذا العام، اخرج من عباءة الشهرة التي تعيش فيها، وانزل قليلا إلى قلب المواطن لترى أنه بحاجة إلى أعمال تلامس حياته، وليس من الضروري أن تكون كوميدية ومضحكة، لأن الحياة التي يعيشها تحمل ما يكفيها من المضحك المبكي.

Friday, 17 May 2013

المزيد من كتب الأطفال؟؟؟

لنحو عامين، اعمل مع دار كلمات لنشر كتب الأطفال في إمارة الشارقة عبر قراءة بعض الكتب لديهم في نشاطات خارجية تطمح الى تعزيز دور الكتاب واللغة العربية في حياة الطفل. 
احب ما أقوم به، ولهذا أتقنه.. ما دفع الكثيرين الى محاولة إقناعي بضرورة إصدار مجموعتي القصصية الأولى للطفل. وأنا تشجعت للفكرة، وبدأت الأحلام تتسلل الى مخيلتي لتحفر لها مكانا فيها. 
ولكن...
في يوم ذهبت مع ولدي الى معرض الشارقة لكتب الأطفال وهاكم ما رأيت: عشرات دور النشر العربية، واكوام من كتب الأطفال لمختلف الأعمار والخلفيات، وقصص من جميع الأشكال ، ورسومات ولا أجمل... ولكن البيع... في الحضيض... وهذا ليس رأيي لوحدي بل ما لمسه عدد من أصحاب دور النشر تلك...
إذا، يبدو ان المشكلة الحقيقية لا تكمن بوجود الكتاب أو عدم وجوده. فهو موجود ومتوفر بكثرة... ولكن المشكلة هي في الرابط بين الطفل والكتاب.. كيف يمكن ان يحب الطفل الكتاب ويقبل على قراءته. 
هذا ما ينقصنا .. أو بالأخرى ينقص أولئك من محبي الكتب العربية، ( حتى لا اناقض نفسي في التدويني السابقة) ...
لعلنا بحاجة الى تثقيف انفسنا حول هذه العلاقة وكيف يمكنها ان تتطور ولا تؤثر على الحداثة والعصرية التي نرغب بالوصول إليها يوما ما... ولعلنا يجب ان نوظف التكنولوجيا بشكل أو بآخر لمساعدتنا في الوصول الى ذلك...
هذا طريق طويل، ولكن يبدأ من اللحظة التي ندرك فيها انه علينا فتح الصفحة الأولى من الكتاب لنبدأ برحلة القراءة. 

اللغة العربية ومذبحة القرن الحالي... البداية من المنزل



صدر قبل أيام في دبي تقرير حول تحديث تعليم اللغة العربية، وذلك حفاظا على هذه اللغة كلغة عصرية وليس لغة بائدة. وشدد التقرير على ضرورة تعليم اللغة العربية بطرق جديدة ومسلية حتى تروق للطالب أكثر ويقبل على تعلمها. 
الحقيقة أنني لم اقرأ التقرير، وسأفعل ذلك قريبا، ولكن السؤال الذي يخطر في بالي بداية: هل مشكلة اللغة العربية هي كيفية تعلمها في المدرسة؟ وهل تبدأ المشكلة على أية حال هنا؟ 
لا اعتقد ان المشكلة منبعها المدرسة، بل هي تبدأ من قبل أيام المدرسة. تبدأ حين تصبح المربية ليست الأم، ولكن فتاة في مقتبل العمر، قادمة من اندونيسيا أو الفلبين أو حتى إثيوبيا، باحثة عن فرصة عمل، فتدخل في أجواء أسرة لتعتني بأطفالها وتكون بديلة للام، التي قد تكون سيدة عاملة، أو سيدة مجتمع منشغلة بحفلاتها وزياراتها اليومية.
المشكلة تبدأ في الوقت الذي نضغط فيه على زر جهاز التحكم عن بعد. أو الريموت كونترول، ليشاهد الطفل برامج لا تتحدث بلغته ، وإنما لغات احنبية عصرية و"كول" أكثر. وان تحدثت بالعربية سأتمنى وقتها ان أسمعها بأي لغة ثانية بسبب التشويه الذي تعاني منه لغتنا الجميلة.
المشكلة تبدأ حين يصبح بارني ودورا وتيلي تابيز مثلا أعلى لأبنائنا، حتى لو تكلموا بالعربية، في الوقت الذي يمكن ان يكون لديهم مثل عربي يكون رمزا لهم في حياتهم.
المشكلة تبدأ حين يكون رف الكتب، ان وجد في المنزل، مليئا بقصص انجليزية بما تحويه من ألوان خلابة، وصور جذابة، وعبارات سهلة الفهم. وعلى سيرة الكتب، زرت مؤخراً معرض الشارقة لكتب الأطفال، وتوقفت عند مكتبة ربيع، وصاحبها رجل طيب للغاية، كان ينصحني باقتناء مجموعة من الكتب العربية لابنائي. دخلت سيدة مع اثنين من أبنائها، وأمسكت بعض الكتب بالانجليزية، وسالت أبناءها بلغة احنبية "مكسرة": "وآت بوكس يو وونت؟؟
لا أحد يلومك ان تحدثت الانجليزية، ولكن على الأقل ، علميها لابنائك بالشكل الصحيح.
 قبل ان اقرأ التقرير، أتمنى ان يكون القائمون عليه قد أخذوا بعين الاعتبار جميع هذه النقاط.. لان لا نفع لتعلم لغة بطريقة مسلية في المدرسة، ما لم تكن جذوره في المنزل قد غرفت من رحيق اللغة الأم.

   

Thursday, 9 May 2013

بعد "سمير أبو النيل" هل سأختار أحمد مكي المغني أم أحمد مكي الممثل... هذا هو السؤال!!






بعد مشاهدة آخر أفلام المتألق (غنائيا وليس سينمائيا برأيي) أحمد مكي، تأكدت فعلا أنه يجب أن يبتعد عن السينما، ويركز في غناء الراب. دخلنا أنا وزوجي لمشاهدة آخر أفلام مكي، سمير أبو النيل، وكنا كلانا متفائلين بجرعة من الضحك والكوميديا، خصوصا أننا ضحكنا كثيرا في فيلمه السابق "لا تراجع ولا استسلام." ولكننا خرجنا مختلفين في الرأي، فبينما أحمد أحب الفيلم، وهذا يأتي من إعجابه الشديد بأحمد مكي، وعدم تقبله فكرة فشل أي فيلم له، وجدت في الفيلم سطحية لا مثيل لها، ولعبا على وتر الثورة والسخرية في الإعلام المصري، وأعلنت (داخليا) عدم ثقتي بما يمكن أن تنتجه السينما المصرية في المستقبل القريب، حتى يخرج فيلم يثبت لي عكس ذلك.

لن أروي أحداث القصة، لأن الفيلم لا يحمل أي نوع من القصة المحبوكة التي قد يرغب أي شخص في قراءتها. رغبتي هي أن أتناول شخصية سمير أبو النيل ذاته، التي بدت مفككة إلى أبعد الحدود، وشابتها السطحية، ولم تتبع نسقا واحدا خلال أحداث الفيلم، بل تلونت بحسب الالمشهد والوقائع التي تحدث فيه.

لم أجد صفة البخل مناسبة لهذه الشخصية، بل هي ربما صفة اعتدنا أن تكون مرتبطة بالظرافة، لذا فقد كانت الصفة الأنسب أمام الكاتب، خصوصا وأن الصفات الأخرى يمكن أن تكون مستهلكة في السينما المصرية، فصفة السمنة ظهرت في فيلم "اكس لارج" لأحمد حلمي، وصفة البشاعة ظهرت في فيلم مكي السابق "لا تراجع ولا استسلام."

ولم يبد البخل صفة مقنعة لترتبط بالأمانة، حينما طلب ابن العم من سمير أبو النيل حفظ نقوده عنده حتى عودته من رحلة العلاج، ولم تكن مقنعة أبدا فكرة وضع النقود عند ابن العم بالدرجة الأولى بحجة أنه "سيستثمرها ويزيد من أرباحها."

قد تكون الشخصية قدمت بعض الإسقاطات على إعلاميين مصريين تلونوا قبل الثورة وبعدها، ولو ركز الكاتب على هذا الجانب لكان نجح أكثر في تقديم فيلم أفضل، ولكن كان من الأسهل له (وأعتقد) تقديم صورة المواطن المصري بهذا الشكل، ليبدو تأسيس قناة تلفزيونية سهلا، وتأمين حفل لنانسي عجرم أو هيفاء وهبي سهلا، أو حتى ظهور الفنانة منة شلبي، والتي سمعناها "تقرط" بحرف الراء طوال الفيلم، بهذا الجمال، لأنني طوال مشاهدتي الأحداث ظننت أنها ستكون أبشع مخلوق رأيته على سطح الأرض.

باعتقادي، لم ينجح شريف عرفة بتقديم فيلم كوميدي هذه المرة، ولا أعتقد أن هذا أفضل أفلام أيمن بهجت قمر، ولكن لا يخلو الفيلم من بعض الجوانب الجميلة فيه، كأداء الممثل محمد لطفي، الذي أثبت نفسه كممثل كوميدي بالفطرة، وخصوصا في المشهد الذي ظهر فيه وهو يقدم القهوة في نهاية الفيلم.

نصيحة لأحمد مكي، ركز في أسلوب الغناء الذي عودتنا عليه، ولا تدخل في السينما إلا أذا كنت متأكدا من أن الفيلم سيخدمك فنيا أكثر منه جماهيريا، لأن هذا ما اعتدنا عليه من مكي المغني .. وأعرف أن أحمد لن يشاركني الرأي.. ولكن لا بأس J

Saturday, 30 March 2013

إليك أيتها الرائعة


إليك أيتها الرائعة... يا من نسجت من كلماتك حبلا يلجأ إليه اليائسون من أمثالي... ليفتحوا بسطورك عالما جديدا نسوه ولكنه لم ينساهم!

"... امرأة محنية الظهر، ناعسة تحمل أيوبها، شقيقا وابنا وحبيبا وثقلا ووجعا وعمرا، وصبي أتانا من حكاية أخرى، التصق بنا، فصار جزءا من حكايتنا... صار جزءا من حياتنا، ومن حبنا."

قشعريرة سرت في جسدي الممدد على السرير لم أشعر بها منذ زمن بعيد جدا. كانت كلماتك سيدتي تغرس في عظمي وفي جلدي وفي لحمي بذورا من الماضي نبتت فجأة وأصبحت أرى في كلماتك وسطورك وحتى في الفاصلة والنقطة وعلامات التعجب والاستفهام جانبا مني أنا انعكس ليكشف عن وجه جديد لشخصي لم أره من قبل.

أنت كما عرفتك، ثائرة، واضحة، عاشقة، والدة، غاضبة، هادئة، وكل ما أنزل الله من كمال في الخلق. بين سطور روايتك الرائعة، كنت دائما أتساءل: "ترى لو لم أكن أعرف هذه السيدة، هل سيكون الوقع ذاته؟ لو قرأت هذه الكلمات لشخص لم أره، ولم أشاركه الحديث يوما ما، هل ستكون في نظري إبداعا تفتقده الأمم اليوم؟"

بقلمك وملكتك الصغيرة ملكت أحاسيس من قرؤوا "قبل أن تنام الملكة". أرسلت لي الكتاب قبل عامين، والحياة المملة الطويلة التي يشوبها نسيج من العبودية نعيشه كل يوم، من لحظة الاستيقاظ وحتى لحظة النوم، جعلت مشروع قراءة هذا الكتاب مؤجلا إلى أجل غير مسمى، وكل يوم، كان الكتاب طريح الدرج إلى جانبي، أراه وأقرر أن غدا سيكون اليوم الأول لأفتح الصفحة الأولى، وأعيش عوالم عهدتها ولم أعهدها.

كل من حولي قرؤوا كتابك، ولديهم قليل من الغيرة لأنك سطرت توقيعك وإهداءك على صفحة الكتاب الأولى: "لأن الحكاية أكثر من هدهدة وأبعد من سكن... الحكاية بقاء." حتى أمي حبيبتي، قرأت الكتاب وأعادته لي في ثلاثة أيام، ما جعلني أشعر بالثورة الغاضبة تشتعل في داخلي، على نفسي وعلى حياتي وعلى تأخري في الاستمتاع بهذه الجوهرة الأدبية.

الصفحات الأولى من روايتك قرأتها مرتين، وفي كلتا المرتين كانت الدموع تجد طريقها إلى خدي، وأنت تناجين ملكتك. أنت يا سيدتي تمكنت وبكل جدارة، من إعادتي إلى نفسي التي أعرفها، أو من الممكن أنك قد أعدت نفسي إلي. أنا حينما أنهيت حكايتك أحسست بالفخر والسعادة، لأنني واحدة ممن حصلوا على شرف الوقوف على حياة قاست صاحبتها الويلات لتصل إلى ما هي عليه اليوم. أحسست بالغبطة تتملكني لأني شهدت من خلال أحداث حياتك روعة الأدب العربي حين يتجلى في قصة سيدة فلسطينية أصيلة، تمثل كل ما أرنو إليه في حياتي.

أنت يا سيدتي، يا حزامة، قدمت سطورا تزيد من طمعي وترقبي لعمل جديد، علي أشهد مرة أخرى ولادة جنين آخر يعيد الثقة إلينا في أدبائنا، وأعمالنا، وحتى لغتنا، التي باتت تتحطم على صخور التطور والعالمية.

فهنيئا لك في ما أنجزت، وإن كانت متأخرة كثيرا...

سامية عايش
30\3\2013